responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 59
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 268]
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268)
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ.
اسْتِئْنَافٌ عَنْ قَوْلِهِ: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ [الْبَقَرَة: 267] لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَصُدُّ النَّاسَ عَنْ إِعْطَاءِ خِيَارِ أَمْوَالِهِمْ، وَيُغْرِيهِمْ بِالشُّحِّ أَوْ بِإِعْطَاءِ الرَّدِيءِ وَالْخَبِيثِ، وَيُخَوِّفُهُمْ مِنَ الْفَقْرِ إِنْ أَعْطَوْا بَعْضَ مَالِهِمْ.
وَقَدَّمَ اسْمَ الشَّيْطَانِ مُسْنَدًا إِلَيْهِ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ مُؤْذِنٌ بِذَمِّ الْحُكْمِ الَّذِي سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ وَشُؤْمِهِ لِتَحْذِيرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ، كَمَا يُقَالُ فِي مِثَالِ عِلْمِ الْمَعَانِي «السَّفَّاحُ فِي دَارِ صَدِيقِكَ» ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَر الْفعْلِيّ تقوّي الْحُكْمِ وَتَحْقِيقَهُ.
وَمَعْنَى يَعِدُكُمُ يُسَوِّلُ لَكُمْ وُقُوعَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا أَنْفَقْتُمْ خِيَارَ أَمْوَالِكُمْ، وَذَلِكَ بِمَا يُلْقِيهِ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ تَخَلَّقُوا بِالْأَخْلَاقِ الشَّيْطَانِيَّةِ. وَسُمِّيَ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَعْدًا مَجَازًا لِأَنَّ الْوَعْدَ إِخْبَارٌ بِحُصُولِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ جِهَةِ الْمُخْبِرِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَنْجَزَ فُلَانٌ وَعْدَهُ أَوْ أَخْلَفَ وَعْدَهُ، وَلَا يَقُولُونَ أَنْجَزَ خَبَرَهُ، وَيَقُولُونَ صَدَقَ خَبَرَهُ وَصَدَقَ وَعْدَهُ، فَالْوَعْدُ أَخَصُّ مِنَ الْخَبَرِ، وَبِذَلِكَ يُؤْذِنُ كَلَامُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ. فَشَبَّهَ إِلْقَاءَ الشَّيْطَانِ فِي نُفُوسِهِمْ تَوَقُّعَ الْفَقْرِ بِوَعْدٍ مِنْهُ بِحُصُولِهِ لَا مَحَالَةَ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ مَا فِي الْوَعْدِ مِنْ مَعْنَى التَّحَقُّقِ، وَحُسْنُ هَذَا الْمَجَازِ هُنَا مُشَاكَلَتُهُ لِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً فَإِنَّهُ وَعْدٌ حَقِيقِيٌّ.
ثُمَّ إِنَّ كَانَ الْوَعْدُ يُطْلَقُ عَلَى التَّعَهُّدِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا هُوَ كَلَامُ «الْقَامُوسِ» - تَبَعًا لِفَصِيحِ ثَعْلَبٍ- فَفِي قَوْلِهِ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ مَجَازٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالْخَيْرِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الْأَسَاسِ، فَفِي قَوْلِهِ: يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ مَجَازَانِ.
وَالْفَقْرُ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى لَوَازِمِ الْحَيَاةِ لِقِلَّةِ أَوْ فَقْدِ مَا يُعَاوِضُ بِهِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ فِقَارِ الظَّهْرِ، فَأَصْلُهُ مَصْدَرُ فَقَرَهُ إِذَا كَسَرَ ظَهْرَهُ، جَعَلُوا الْعَاجِزَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَدْنَى حَرَكَةٍ لِأَنَّ الظَّهْرَ هُوَ مَجْمَعُ الْحَرَكَاتِ، وَمِنْ هَذَا تَسْمِيَتُهُمُ الْمُصِيبَةَ فَاقِرَةً، وَقَاصِمَةَ الظَّهْرِ، وَيُقَالُ فَقْرٌ وَفَقَرٌ وَفُقْرٌ وَفُقُرٌ- بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، وَبِفَتْحَتَيْنِ، وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَبِضَمَّتَيْنِ-، وَيُقَالُ رَجُلٌ فَقِيرٌ، وَيُقَالُ رَجُلٌ فَقْرٌ وَصْفَا بِالْمَصْدَرِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 59
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست